روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | قواعد تبرد الأكباد.. عند سماع أخبار أهل الفساد والإفساد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > قواعد تبرد الأكباد.. عند سماع أخبار أهل الفساد والإفساد


  قواعد تبرد الأكباد.. عند سماع أخبار أهل الفساد والإفساد
     عدد مرات المشاهدة: 2301        عدد مرات الإرسال: 0

ظهر الفساد في هذا العصر ظهورًا مؤذيًا عامًّا لم يترك جهة إلا وولغ فيها، فهناك فساد سياسي وإعلامي واقتصادي واجتماعي وأخلاقي، وكل هذا له أثره الكبير في شيوع اليأس والقنوط عند جمهور كبير من الصالحين والعاملين، ولا بد من التذكير بجملة من القواعد معينة على الوقوف أمام هذا الفساد، بل مقاومته وتحطيمه إن شاء الله تعالى:

 أولاً: هذا الفساد الطاغي يصاحبه الأمل الزاهي والمبشرات الكثيرة بقرب التمكين إن شاء الله تعالى، ولهذا حديث طويل جليل لا أجد له مكانًا فسيحًا ها هنا، لكنه واقع قائم مشاهد وهو أيضًا مستقبل متوقع إن شاء الله تعالى، وحديث الأمل والمبشرات يطفئ الحرارة الناشئة من سماع أخبار الفساد، ويبعد عنا شبح اليأس والقنوط، فالأمل هو الجزء الأكبر من العمل.

 ثانيًا: هؤلاء الفاسدون والمفسدون هم جزء من المعركة الطويلة بين الخير والشر، وهي باقية ما بقيت الأرض -والله أعلم- نعم إن عاقبة هؤلاء الاندحار والهوان، لكنهم موجودون باقون على درجات مختلفة من القوة والضعف، وقد أخبر النبيأن "الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة".

 ثالثًا: هؤلاء قد سُلطوا علينا بسبب ذنوبنا ومعاصينا، وبسبب تخاذلنا عن العمل لدين الله ونصرة شريعته، وبسبب قلة تضحياتنا وقلة بذلنا وعطائنا، بينما هؤلاء يدعمون من قوى ضخمة داخل العالم الإسلامي وخارجه، وهم يحاربوننا بلا كلل ولا ملل ولا هوادة، بينما نجد أن معظم الصالحين ليس لهم عمل مؤثر قوي، وتضحياتهم وعطاءاتهم تكاد تكون نزرًا يسيرًا، فلا نلقي بالتبعة إلا على أنفسنا وتفريطنا، ولو كنا أقوياء لخنس هؤلاء ولصاروا في مكانهم الذي يستحقونه في مزبلة التاريخ، وفي هذا يقول جلَّ من قائل:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]. ويعبر عن هذا الفاروق t أحسن تعبير حين قال: "أعوذ بالله من جلد الفاجر وعجز الثقة".

 رابعًا: هؤلاء الفاسدون في القبضة الإلهية يفعل بهم سبحانه ما يشاء، وهو القادر على محقهم وإزالتهم بكلمة (كن)، وإنما سلطهم علينا لحكمٍ كثيرة، منها ما ذكرته في الجانب السابق، ومنها ما يعبر عنه قوله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4]. فلنفهم هذا؛ فإنه معين لنا في معركتنا الطويلة مع هؤلاء.

 خامسًا: إن الأمر لله من قبل ومن بعد، والكون كونه، والخلق خلقه، وهؤلاء هم من جملة القضاء والقدر، ومن أمر الله تعالى الكوني القدري الذي لا نعترض عليه فيه سبحانه، إنما وظيفتنا المغالبة كما قال عمر t: "نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله". فلنسلم تسليمًا له سبحانه، ولا يعني هذا التسليم عدم المغالبة إنما هو أمر في دواخل المؤمنين يصب عليهم السكينة والطمأنينة، وينـزل عليهم برد اليقين، ولقد كان المصطفى الأعظمتنـزل عليه المصائب العظام، والأحداث الجسام فلا تؤثر في ثباته وقوته، ولا تزعزع من جده واجتهاده، مع تسليم تام ويقين كامل ورضى ليس بعده رضى.

 سادسًا: لا بد من العمل الجاد في الدعوة إلى الله وتربية الأجيال الناشئة على الإسلام، فهذا أعظم عمل موجه ضد أهل الفساد والإفساد، ولا بد أيضًا من الإنكار عليهم بكل ما أوتينا من قوة وبالوسائل الشرعية للإنكار، وإلاَّ نصنع، فإننا لا ننتظر إلا غضب الله علينا -والعياذ بالله- {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165]. فقد نجَّى الله تعالى من أمر ونَهَى، أما من تخاذل ورضي وتابع ووافق فقد أخذه Y في جملة من أخذ من الظالمين.

 سابعًا: الدعاء برفع الفساد ودحر المفسدين والفاسدين؛ فالدعاء سلاح المؤمن كما أخبر النبيوله نتائج جليلة، وهو التجاء إلى الركن الشديد الذي لا يستطيعه المفسدون، ولا يقدر عليه أهل الشر والفساد.

 ثامنًا: ألا يرضينا أننا -إن شاء الله- جند الله، وهؤلاء هم جنود إبليس؟!

 ألا يفرحنا أننا سبب للخير وهم سبب لإيقاع الشر والفساد؟

 ألا يبرد أكبادنا أننا -إن شاء الله- نعمل لله تعالى، وهم يعملون لإرضاء إبليس وأعوانه من الجن والإنس؟

 ألا يسرنا أننا -إن شاء الله- جزء من القافلة النورانية الإيمانية التي تضم الأنبياء والصالحين والشهداء والأولياء، وهؤلاء هم جزء من قافلة الشر التي على رأسها إبليس وفيها كل جبار عنيد، وكافر عتيد، وفاسق متهتك، ومفسد بالشر متمسك؟

 ألا يرضينا قول الله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء: 104]؟

 ولا يعني هذا الشماتة بهم، فإننا -والله- نرجو هدايتهم ورجوعهم إلى الحق والصواب، لكن هذا كان بيانًا للواقع.

 تاسعًا: إن الهم الشديد الذي يطرأ على النفوس، والتأثر البالغ مبلغًا عظيمًا برؤية أهل الفساد وسماع أخبارهم، هذا التأثر وذلك الهم جالبان لبُشْريَيْنِ عظيمتين:

 1- أن هذا دال على إيمان وصلاح إن شاء الله؛ فتمعُّر الوجوه عند رؤية المنكرات وسماع أخبارهم هو من جملة درجات الإنكار، ودليل على بقايا الخير في النفوس.

 2- تكفير السيئات، وذلك أنه ما يصيب المسلم من هم ولا وصب ولا نصب إلا كفّر الله تعالى به جملة من سيئاته إن شاء الله Y، وذلك هو خبر المعصوم، فماذا نريد بعد هذه البشارتين؟! اللهم لك الحمد ولك الشكر.

 أخيرًا: إن الله تعالى لن يسألنا عن النتائج وإنما سيسألنا عن العمل والجد والاجتهاد، وسيثيبنا عليه -إن شاء سبحانه- أما النتائج فهي ليست إلى العبيد وليست من شأن العبيد، إنما شأنهم أن يعملوا بصمت وبدون اعتراض، فإن أسعدهم الله بالنتيجة وأسعفهم بها فالله الحمد والمنة، وإلاَّ يصنع فكم من الصالحين والدعاة والعاملين مات ولم يَرَ نتائج عمله! {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الروم: 4-6].

 والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلِّ اللهم وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه أجمعين.

الكاتب: د. محمد موسى الشريف

المصدر: موقع موقع التاريخ